كلمة الراعي
إرحل عن تخومنا
الإخوة والأبناء الأحباء،
في إنجيل الأحد الماضي من رواية القديس لوقا لحدث التجسد. أخبرنا الإنجيلي عن حادثة شفاء المجنون، ومقتل الخنازير بعد دخول الشياطين فيها، وإندفاعها نحو الجرف فسقطت وماتت، تعبير عن أن الشرَّ يقتل الشرَّ.
وحتى في حياتنا الروحيّة شيطان الكبرياء يحارب بعضاً من الأرواح الشريرة الأخرى، ونكون نحن مجالاً لصراعهم إذا لم نكن محتمين تحت جناحي المحب للبشر وحده.
وهنا أريد أن أطرح اليوم تأملاً في طلب أهل كورة الجرجسيين من الرب يسوع، وبعد أن رأوا عجيبة شفاء المجنون، قالوا له: “إرحل عن تخومنا”. “لا يمكنك أن تعبد ربين، إما الله، وإما المال. ولا يمكنك أن تخدم سيدين…”.
إذاً أهل كورة الجرجسيين الذين اعتادوا على عشرة الخنازير، والتي هي نجسة بحسب العهد القديم، طلبوا من الرب يسوع أن يرحل عن تخومهم بدلاً من أن يقولوا له: بارك بيوتنا، إشفِ مرضانا، عزِّ الحزانى عندنا، علمنا طرقاً للحياة أفضل. طلبوا منه أن يرحل عنهم لأن عيونهم كانت قد عميت بمحبة المال. فقدوا الرؤية الروحيّة، وخسروا فرصة لا تعوّض. لو لم يكن الرب رحوم، رؤوف، طويل الأناة وجزيل الرحمة، فيعاود، المرّة تلو الأخرى، أمرَ هدايتنا، ومناداتنا للعودة إليه.
نتساءل حول حياتنا، وهل يتكرر موقف أهل كورة الجرجسيين في حوادث حياتنا. ولماذا؟
أولاً، يتكرر الموقف كثيراً ويزداد تكراره مع تقدم الأيام، وإبتعاد
المجتمع عن الكلمة الإلهية. فالله كما أنَّه لا يتغيّر، بل هو هو أمس واليوم وإلى الأبد. هكذا يبقى فاتحاً ذراعيه الى يوم الدينونة منتظراً التائبين الصارخين نحوه كالإبن الشاطر: “يا أبتاه إغفر لي فقد خطئت الى السماء وأمامك..”.
من منا لا يخاطبه ضميره في بعض الأوقات ليتصالح مع الذين له معهم مخاصمة، هذا الصوت هو صوت الروح، ولكن نسكته بحجة الكرامة والعدل وأخذ الحق كما ندّعي.
كثيراً ما يطالبنا فكرنا بالصلاة، ولكننا بعلل الخطايا ندير إرادتنا ظهرياً، ونتجاهل الأمر.
يخاطبنا الكتاب بطرق مختلفة، ولكننا نسمع للعالم ولطرقه، ونتجاهل طرقاً علمنا إياها الله، وجرَّبها الآباء القديسون، واختبرتها الأجيال السالفة، وعاشت فيها سعيدة.
تحدثنا الكتب القادرة أن تصيِّرنا حكماء للخلاص عن تربية الأولاد، وتنميتهم تنمية روحية، ولكننا نخشى عليهم عدم مواكبة العصر، ونجنبهم الحياة الروحية، وكأننا نقول للرب: “إرحل عن تخومنا”. في كل الأحوال السابقة كثيراً ما نقول له يا سيد إرحل عن تخومنا، هذا إذا كان بقي عندنا أي شعور بوجوده. ودرجة الرفض تتوقف على مدى الحياة الروحيّة التي يعيشها الشخص، لأنه في حال الأشخاص الماديين لا وعي لهذه الأمور. وفي حال المتقدمين روحياً لا يمكن أن يتلهوا بشؤون العالم، ويتركوا التواصل مع الله. القديس يوحنا الدمشقي يقول: “مغبوطة هي عيشة أهل البراري إنهم بالعشق الإلهي يتطايرون”. فيا ليتنا نصبح كلنا عاشقين لله نفضله على كل شيء في حياتنا، ونتكل عليه في جميع أعمالنا، ونرفض الخطأ، ولا نقترب من الخطيئة لعلنا نصبح كالذي وجد شفاءً من كل العاهات والأمراض، نخبر بما يصنع معنا السيد له المجد، لا في الحي فقط، ولا في المدينة فقط، بل في كل العالم.
نعمته لتكن معنا جميعاً آمين.
باسيليوس
مطران عكار وتوابعها