كلمة الراعي
“كي لا يقال أنني دخلت على تعب أحد”
الإخوة والأبناء الأحباء،
في زمن الرسالة وبدء إنتشار المسيحية، قامت العلاقات بين الكنائس على أساس المودة والمحبة والأمل بالأفضل دائماً. وقد شدّد القديس اغناطيوس الانطاكي أن تتشارك الكنائس في كل العالم فرحَ نجاحِ البشارة، وخاصة مع الكنيسة الانطاكية التي غادر سدتها نحو الإستشهاد، وذلك بأمر الامبراطور مراجان ليصارع الأسود الكاسرة، وهو في سن ناف على الثمانين أو قارب المائة بحسب بعض المراجع. لقد إنتقل بأمرٍ امبراطوري أيضاً عبر البرِّ مجتازاً في مدن آسيا وذلك لإرهاب الكنائس وتخويف المؤمنين.
طالب القديس اغناطيوس برسائله أن تقيم العلاقات فيما بينها من خلال الأحداث والأعياد، ومن خلال الدعم المادي والمعنوي. لقد نقل المؤمنون فرح نجاح البشارة من منطقة لأخرى إما بالرسائل الشفويّة، وإما بالرسائل المكتوبة. فالنجاح كان يسبب فرحاً في الكنيسة كلها، والضيق كان مدعاة للتعاضد بين الجميع، ويستدعي الصلاة والإبتهال لرفعه. واشتهر الآباء القديسين في هذا الشأن، ومنهم باسيليوس الكبير، وغريغوريوس النيصصي، وأثناسيوس الإسكندري، وعدد كبيرٌ من الآباء والقديسين غيرهم. وبرغم المسافات كانوا ينتقلون من كنيسة الى أخرى متجاوزين كل الصعوبات لأجل إظهار وحدة الكنيسة (جسد المسيح السري).
وعلى ضوء وحدوي ما ذكرت. أنقل إليكم أيها الإخوة والأبناء الأحباء فرح زيارتي الى أبرشية المكسيك وضيافة راعيها المتروبوليت أنطونيوس الشدراوي، وما عشته من نجاحات البشارة ورأيته مما
غاب عن ثقافتنا من إلتزام الكثيرين في تلك الأبرشية البعيدة، وهم من الجيل الرابع والخامس والسادس أي أحفاد، وأحفاد أحفاد المهاجرين الأوائل الى المكسيك من زمن مذبحة 1860، وكذلك ما قبل الحرب العالمية الأولى.
سبب الزيارة كان عيد شفيع سيادة متروبوليت المكسيك أنطونيوس الشدراوي، وكذلك يوم ميلاده. كان الاستقبال وللجميع بدون إستثناء في صالون الشرف. لقد تجند الآباء والإخوة لذلك كي لا يحدث أي نقص من واجبات الضيافة المعتادة برعاية سيادته، وهو الذي يتمتع بكل الإحترام على المستويين الكنسي والسياسي. ومعروف شعبياً بالشدراوي هكذا سمعت رئيس وزراء المكسيك يناديه بالشدراوي، وشدد على أنَّهُ وحده القادر أن يجمع الأضداد على مائدة واحدة. ومن أصدقائه رئيس الجمهوريّة في المكسيك. كانت الكرامات محفوظة، وكذلك الراحة التامة والمشاركة ببرنامج العيد. وهذه تجري سنوياً وصارت تشكل محطة إجتماعية بحسب تعبير ممثل رئيس الجمهورية في الإحتفال. حضر الإحتفالات ثلاثة آلاف شخص، وكلهم من علية القوم، والقائمين على العمل الكنسي، والسياسيون، الاقتصاديون والبارزون على المستوى الثقافي والصحفي.
تجمع حول سيادته مشاركينه في عيد رئاسة كهنوته الخمسيني كل من أصحاب السيادة متروبوليت البرازيل دمسكينوس – متروبوليت تشيلي سرجيوس – متروبوليت استراليا بولص – متروبوليت أميركا الشمالية جوزف – متروبوليت الارجنتين سلوان – متروبوليت أوروبا الوسطى والغربية اغناطيوس الحوشي، وأصحاب السيادة ديمتريوس شربك – إيليا طعمة – كوستي كيال – أفرام معلولي – اغناطيوس سمعان معاون متروبوليت المكسيك في فنزويلا، ورومانوس داود.
كان الجو مليئاً بالفرح والمشاركة، والتف الإخوة حول شيخهم يستفيدون من خبرته، ويفرحون معه لما حققه من نجاحات باهرة في المكسيك، وغيرها من بلدان أميركا الوسطى وجزرها بحيث يمكننا أن نقول أنه أي متروبوليت المكسيك “ما دخل على تعب أحد”، وقد خدم الأبرشية بيديه وتعبه الشخصي، ويصدق فيه القول الرسولي: “حاجاتي وحاجات الذين معي خدمتها هاتان اليدان”.
تأسست الرعايا في البدء لخدمة المهاجرين الإنطاكيين، ولكن الكنائس الآن تمتلئ بالقادمين الجدد الى الأرثوذكسية من أبناء المنطقة، ويشكلون حضوراً طاغياً في بعض المناطق، ويتصفون بالغيرة وحب الله. تجلببهم بساطة الإيمان.
عدد كبير من الكهنة في الأماكن القريبة، والاصقاع البعيدة في الأبرشية هم من السكان الأصليين. فالأب أنطونيوس في غواتيمالا، ويقوم بخدمة رعائية عظيمة. وفي غواتيمالا دير أرثوذكسي فيه أربع راهبات من أبناء المنطقة، ويتبع لديرهم ميتم مدعوم من الحكومة المحليّة يحتوي على ما يزيد عن المائتي طفل يتلقون رعاية والدية من الراهبات. يخدم في الهندوراس خورخي خضر الطالب البلمندي. وفي ميريدا كوزما اندراده. وفي دير مار امطانيوس أفرام نوغس، وبنى هذا الدير على نفقته الخاصة المتروبوليت انطونيوس الشدراوي، وقدّم أرضه البالغة حدود المائتي ألف متر مربع، ولا زال يدعمه بماله ورعايته. فيه عدد من الأشخاص، الرهبان والعلمانيين يرأسهم الأرشمندريت اندراوس مرقص من اللاذقية، ومن معاونيه البارزين سرجيوس سمعان من صافيتا.
ترأسُ الديرَ في غواتيمالا الأم الراهبة أغناسيا التي تلعب دوراً هاماً في العمل البشاري والعلمي في غواتيمالا. يخدم في كاتدرائية العاصمة الأرشمندريت فادي رباط يعاونه ثلاثة كهنة مكسيكان وشماس أيضاً.
ويخدم الأرشمندريت اندراوس مرقص في كنيسة القديسين بطرس وبولص التي بناها سيادته من ماله، وتبرعات المؤمنين من المهاجرين وأبناء البلاد. يعاونه فيها ثلاث كهنة مكسيكان وشماس من حلب.
أما الكنيسة في فنزويلا فيرعى المؤمنين فيها الأسقف اغناطيوس سمعان يعاونه في رعاياها المتفرِّقة كهنة من الوطن الأم، ويخدم في كوستاريكا الأب اغناسيوس ميراندا.
شارك في الإحتفال مطران روسي ممثلاً بطريرك موسكو، وممثل عن الكنيسة المحلية الروسية OCA، وممثل عن مطران الموارنة. شاركت في الإحتفال وفود تمثل مجالس الرعايا من مختلف بلاد أميركا الوسطى، وكذلك عدد من المؤمنين.
كان التجاوب مع أحداث الإحتفال مدعاة للتأمل في أتعاب وجهود المتروبوليت أنطونيوس الشدراوي إبن أبرشية عكار – شدرا، ويشدد على ذلك في مناسبات عديدة. ويقودنا التأمل بتاريخ الأبرشية الى الآية الإنجيلية: “إن ما هو صعب عند الناس سهل عند الله” الذي قاد خطى المتروبوليت انطونيوس في سبل تنمية الأبرشية، وترسيخ بنيتها على أسس إنطاكية أرثوذكسية سليمة يعنونها الإنفتاح والتعاون مع الدولة والكنائس الأخرى. وقد سمعنا الشهادات التي تؤيد ذلك من أفواه الأرثوذكسيين وغيرهم.
لقد بنى سيادته كنيسة القديسين بطرس وبولص بزمن قياسي وجملها بأحلى الأيقونات، وكلها مرسومة فجاءت تقليدية أرثوذكسية. ويشهد الآباء أن مالية الأبرشية تعتمد على أعمال ومال المتروبوليت أنطونيوس. وبالفعل فقد كانت موائده سخية ، وعطاياه كذلك، والفرح بادي على وجهه والسرور يفوح مع كلماته وترحيبه.
لقد أثلج قلوبنا ما رأينا في الأبرشية وسمعناه، وبدّد الكثير من مخاوفنا على أبرشيات الغرب الإنطاكي ورأينا الأمل يفتح في الزمن القادم طرق النجاح والنمو لأبرشية المكسيك بكل أقطارها، وكذلك في غيرها من أبرشياتنا الغربية.
وها نحن نعود الى أحضان الوطن، وقد تعلمنا كيف أن الصبر على الضيقات والصعوبات يقود بالإتكال على الله، الى النجاح في العمل. وتعلمنا يقيناً أن أهم الأعمال الرعائية هو الوجه أي حضور الراعي المشارك لأبناء رعيته، والشيء الثاني الذي لا بدّ منه وجود الأديار والمؤسسات.
في الختام أسأل الله أن يهب العمر الطويل لمن وهبه الله موهبة الأبوة بغزارة والكرام عن جدارة، والقيادة الى مستقبل أفضل عن استحقاق، المتروبوليت انطونيوس الشدراوي المحب لوطنه الأول، والعامل بكل ود وإخلاص في وطنه الثاني أبرشية المكسيك، ونقول له بمشاعر جياشة فياضة بالمحبة والمودّة لشخصه. سنوك عديدة يا سيد، وأنت تزين عروشاً صنعتها لذاتك في القلوب، وعرش أبرشيتكم الذي زينتموه بكل إهتماماتكم وامكانياتكم بشفاعة شفيعكم معلم البريّة القديس أنطونيوس الكبير آمين.
باسيليوس
مطران عكار وتوابعها