آخر الأخبار
الرئيسية 5 مقالات المتروبوليت 2016 5 كلمة الراعي العدد 7

كلمة الراعي العدد 7

كلمة الراعي

الإخوة والأبناء الأحباء،

قد إلتزم أغلب المهجرون والمهاجرين الكنيسة خوفاً على أولادهم. وهم رحماء على وطنهم الأول يريدون له كل الخير والسلام والإطمئنان، ويساهمون بطرق مختلفة في تخفيف الوضع السيء عن كاهل أهليهم ومعارفهم.

الذين لا رعية منظمة عندهم لأسباب شتى، طلبوا منا أن نصلي لهم، ولو صلاة بسيطة قبل رحيلنا عن منطقتهم. فأقمنا لهم صلاة الخبزات الخمس فاجتمعوا جميعاً، وعيونهم تفيض فرحاً وتأثراً، وأكدوا علينا أن نعود إليهم لمرات متتالية لأنهم شعروا بأنهم بالفعل موجودون. وكانت ضيافتهم مشرقية كما تعوَّدوها في بلادهم وبلداتهم. وكل منهم، من إستطاع، بنى صالة الى جانب بيته ليتجمع الأهل، والصحب، والأحبة بعد العناء من أعمالهم.

هذه هي الصورة التي كونتها في ذهني عن أولئك الناس الرحماء فيما بينهم، ورحماء على السكان الأصليين إذا احتاجوهم في أمر ما. وكثيرون من الذين إلتقيناهم أطباء وصيادلة.

ففي هيوستن ولاية تكساس، حللت ضيفاً عند السيد نجاد عصام فارس، وزوجته زينة صاغية. وكانت نعم الضيافة والحفاوة والإهتمام والرعاية. بالحقيقة ما هذا الشبل إلا من ذاك الأسد. فنجاد صورة طبق الأصل عن والده دولة الرئيس عصام فارس. وقد أقمت في فندق يملكه دولته، وكان الإهتمام من الأسد والشبل على وتيرة واحدة تعكس ما عندهما من تواضع وكِبَرْ ومحبة، وعلاقات إنسانية.

فقد أقام الأستاذ نجاد عشاءً لمناسبة حضوري دعا إليه عدد من الآباء والأحبة والصحب، وأغلبهم من الذين كان لهم ولعائلاتهم الأثر الكبير في الوطن وبلاد الإغتراب.

وقد تكلم الأب جبرائيل كرم عنهم، وعن محبتهم للكنيسة، والتزامهم بها. فأجبته بأن هؤلاء الذين إجتمعنا بهم، والذين نجتمع بهم لهم الكثير مما يفتخرون به في أوطانهم، وسطور تاريخهم، وتاريخ عائلاتهم مضمّخةٌ بعطور الإلتزام الكنسي، والعطاء المادي، والتأثير السياسي، والنهضوي والبناء.

ولهذا ليسوا بحاجة لإخفاء أصولهم، ولهم أن يجدوا المناسبات للإفتخار بما كانت عليه أصولهم، وبما هم عليه الآن من المحبة والعطاء والإلتزام. ولا يهم الإلتزام بالأصول المادية بل بالحري الأصول الكريمة الأخلاقية والإيمانية والعطاء الإجتماعي.

تخلل اللقاء عدد من فترات السمر، أخبرت خلالها عن دكتور من أبرشية حوران أنَّه يداوي في كثير من الأحيان بدون مقابل، ويؤمن الأدوية، ويقبل ما يقدم له من منتوجات الأرض، وبعض الأعمال اليدوية. فذكرني ذلك بكثيرين من أطباء بلادي الذين كانوا يقبلون منتوجات زراعية وحقلية تعويضاً عن المعاينات والأدوية، وقد يكون الفارق النقدي كبيراً.

زرت مجمع رعية الموارنة في هيوستن برعاية الأب ميلاد، والذي إستقبلنا بكل ترحاب مع سيدات رعيته، وآبائها المعاونين، ومجلس الرعية. وكانت الزيارة مليئة بالمحبة والاعتبار.

وزرت رعية القديس جاورجيوس للروم الأرثوذكس. واطلعنا على عمل السيدات هناك، يحضرن القربان للآحاد والأعياد. وشعرنا بهمتهن كما لو كنّ في الوطن يجتمعن حول الكنيسة إجتماع النحلات حول ملكتهن، بإهتمام لا يشوبه نقص، وفرحٍ بالعمل يدل على عمق الإلتزام.

ثمَّ زرنا كنيسة القديسين الشهداء الأربعين يرعاها الأب جبرائيل كرم، وكذلك تعرفنا على الرعية الناشئة والمتطوِّرة.

والجدير بالذكر أن السيدين الفاضلين نجاد عصام فارس، وجمال حليم دانيال. يهتمون بكل الرعايا المشرقية المارونية والأرثوذكسية، ويغدقان من عطاياهم لإنشاء المؤسسات اللازمة للرعاية.

في النهاية شعرت كم أننا نحن هنا في الوطن مقصرين تجاه الكنيسة، وغير واعين لأهميتها في بناء الوطن والإنسان. وأجزم أنه إذا ما وعينا أهميتها الروحية والوطنية في الوطن والمغترب سنبادر لتكريس أهم وأنشط الكوادر من أبنائنا الأرثوذكس للإنخراط في العمل التقديسي والرعائي والبشاري حيثما احتيج لهم.

لذلك فالشوق للروحانية الأرثوذكسية كبير، وليس لعنترياتها ومشاكلها الفرديّة والجماعية.

ما يبشر في أميركا توجه متروبوليتها جوزيف زحلاوي للعمل البشاري والروحي، الى جانب المادي والرعائي والمؤسساتي. وخلال وجودنا معاً في المكسيك بمناسبة عيد سيادة مطرانها أنطونيوس الشدراوي (ذكرى الخمسين لسيامته الأسقفية). تحادثنا مطولاً عن إهتمامه وعمله الرعائي، والتوجه الروحي في الأبرشية، وطبع مؤسساتها بالهويّة الإنطاكية المشرقية المنفتحة على جميع الشعوب كما عودتنا تركيبتها الجغرافية في الوطن (اع15). ولسيادته الفضل الكبير في عودة السلام والإطمئنان بين الأبرشية والبطريركية الإنطاكية، وسقوط مخطط فصل الأبرشية وإعلانها كنيسة مستقلة أو أبرشية ذات إستقلال داخلي. يساعد على ذلك علاقات الودّ والصداقة الممتدّة عبر سنوات الدراسة في البلمند، والزمالة والجيرة في دير البلمند بين البطريرك يوحنا العاشر يازجي، وسيادة متروبوليت أميركا الشمالية وكندا المطران جوزيف الزحلاوي.

نسأل الله أن يعطي سيادته أن يجمع أبنائه في تلك الأبرشية المترامية الأطراف حول الكأس الواحدة، والهدف الواحد ليرى الآخرون في وجودهم حضور الله، ويعطوا بذلك ملاحم القداسة في ميادين العمل والجهاد الروحي بشفاعة قديسنا الإنطاكي متروبوليت أميركا روفائيل هواويني، وصلوات الذين تقدسوا ويتقدسون من أبناء ورعاة تلك الأصقاع في الصلاة والرحمة والمحبة والعمل الصالح آمين.

باسيليوس

                     مطران عكار وتوابعها