آخر الأخبار
الرئيسية 5 كلمة الراعي 2017 5 كلمة الراعي – العدد 25

كلمة الراعي – العدد 25

كلمة الراعي

باسم الآب والابن والروح القدس

الإخوة والأبناء الأحباء،

هوذا الجالس على الشاروبيم وعرشه أجنحة الساروفيم يأتي الى التلاميذ سيراً على أديم الأرض من غير أن يصف لنا الإنجيل نوع حذائه. أتى ماشياً على الرمل كما سار في ذلك الزمان كل فقراء الصيادين. جاءهم على مثل حالهم لكي يستطيعوا أن يسمعوه ويفهموا كلامه فلا تأخذهم أحلامهم وأفكارهم بعيداً ويغوصوا في بحار صور السلطة والمال. ولكن صوته الهاديء الصادق المليء بالنعمة اخترق أعماق فهمهم وفتح أزاهير وطيات قلوبهم لاستقبال النداء الآتي من هبوب الروح الى صحارى شخصياتهم المشتاقة لصوت النعمة والخلاص كما تشتاق الأيائل العطشى لينابيع المياه. أمام النداء الإلهي لا يستطيع الإنسان أن يقول (كلا) لا يستطيع أن يرفض الدعوة لأن الله لا يرسل كلمته وتعود إليه خائبة. هذا ما يقولهه لسان نبيّه: الصيادون يتصايحون ويتخاصمون، يتراضون ويُسرّون معاً في حركة غير متوقعة لا يستطيعون أن يغادروا البحر ليرحلوا بعيداً لأن همساته ووشوشاته تتردد في صميم أبدانهم وبالتناسق مع ضربات قلوبهم وتدفق دمائهم في شراينهم، لكن الصوت كان أقوى وتردد موجاته غيّر اتجاه حياتهم. وقبل أن يعلن عن ضرورة محبته على كل ما يخص الذي يتبعه، كان الصوت كافٍ لأقناعهم بترك لا البحر والشباك بل وبترك الوالد الشريك في العمل.

ألا يقول لنا نبيّك إن صوت الله آت على الجبال كصوت مركبات الحرب. سمع الأنبياء صوتك يا رب فلم ينسوا أعمالهم

وأباءهم بل صرت لهم كلَّ شيء. ألا يوصينا رسولك بولص “إذا سمعنا صوتك فلا تقسي قلوبنا” أوصانا بذلك لأن طاعتك وعمل إرادتك هي الحياة وهي هدف الحياة. قسّى فرعون قلبه عن سماع صوتك. فأُغميت بصيرته عن إدراك عمق محبتك والخير الذي تريده. إرادته كبلته عن عمل إرادتك.

يا رب ألا تعطينا أن ندرك صوتك ونفهم قوة كلامك. نعم يكفينا شرفاً اننا نحمل كلمته التي قالها لنا لنقولها نحن للعالم ونجعلهم تلاميذاً للرب. لا يستطيع شيء في هذه الدنيا ولا في الأكوان كافة أن تسمع صوته وتعانده. ألم يخلق العالم بكلمة. ألم يهدئ البحر بصوته. “من هذا الذي البحر يطيعه عند سماع صوته”.

في العالم، لو جعلنا صوته مكان صوتنا ورسالته مكان مفاهيمنا لكان العالم بألف خير. ولربض كل ما في العالم عند قدميه كحملٍ وديع. لأن في صوته الحياة وفي كلمته القوّة. يحمل كلمته المتواضعون والصادقون الذين يجعلهم على صورته ومثاله صيادي الناس. فالناس ينفرون من العالم الغير المملّح بملح التواضع. الناس يكرهون الكلام الذي لا حياة فيه وحياة الكلام أن يعيشه حامله ليكون خبراً صادقاً. يقول الرسول بولص : “إن كنت أتكلم بألسنة الناس والملائكة ولكن ليس فيّ المحبة فقد صرت نحاساً يطن أو صنجاً يرن. وإن كان لي بنوّة وأعلم جميع الأسرار وكلّ علم وإن كان لي كل الإيمان حتى أنقل الجبال ولكن ليس لي محبة فلست شيئاً”. القلب الخاشع المتواضع لا يرذله الله. القلوب المتواضعة تفهم كلمته. القلوب الملتهبة بمحبته والغيورة على مشيئته تستطيع أن تفهم صوته كما سمعه بولص الرسول على طريق دمشق. إن صوت السيّد الذي لم يفهمه غير الرسول بولص، أما رفاقه فلا، قد عبّر عن مشيئته وصار النداء أمراً مطاعاً عند شاول المضطهد. إن صوته نسيم الملكوت الذي يجعلنا نقول الويل لنا إن لم نبشّر.

باسيليوس

                     مطران عكار وتوابعها