آخر الأخبار
الرئيسية 5 كلمة الراعي 2017 5 كلمة الراعي – العدد 30

كلمة الراعي – العدد 30

كلمة الراعي

الإخوة والأبناء الأحباء،

الغــيرة

في 20 من شهر تموز نعيّد للنبي العظيم إيلياس. ليس له كتاب، ولكن له سيرة تتميّز بالمواقف الشجاعة، والأقوال الحاسمة، والكلمات الجريئة. وما كانت جرأته لذاته لأنه ككل الأنبياء ما كان يحسب لنفسه مكانة ولا قيمة، بل كان جريئاً بسبب محبته لله، وصلت هذه المحبّة حتى لم يبق في قلبه مكان لشيء آخر، أو لشخص آخر.

مواقفه أمام الملوك، وجبابرة ذلك الزمان معروفة من خلال سيرة حياته الواردة في الكتاب المقدّس ع ق الملوك الأول (17). نتبين من خلال هذه السيرة نوعين من الغيرة. واحدة مقدَّسة، وثانية فيها من الأنا ما يجعل حاضنها يخطئ في تصرفاته، وهذا ما حصل مع النبي إيليا مما استدعى من العلي القدير أن يعلن له مكافآته، ولا يتركه متوغلاً في مثل هذه التصرّفات. فعندما كانت غيرته لله ما كان يهاب الملوك، ولا الجيوش، وينطق ما هو حق، وما هو في شريعة الله. يأمر الطبيعة فتطيعه للتتحرك، وتخضع له فتنغلق أبواب السماء (لو لكم من الإيمان مثقال حبة الخردل لكنتم تقولون لهذا الجبل إنطرح في البحر لفعل).

كان لإيليا هذه الغيرة المقدَّسة الشفافة النقية، وكانت غيرته تزداد حتى توصَّل أن يعتبر الإنسان لخدمة السبت، وليس السبت لخدمة الإنسان. فقادته غيرته الزائدة عن حدها لقتل كهنة البعل، وكهنة العشتاروت. الأمر الذي لم يأمره به الله بل أصر هو بأن يُجمعوا له فقتلهم، وهو يظن أنَّه بذلك يرضي الله.

الغيرة تحتاج الى يقظة، وإنضباط، وصلاة حتى لا يتداخل معها شيء يشوِّش البصيرة. غيرته في هذه المرحلة نقلته من مرحلة الشهامة

والشجاعة الى مرحلة الإتهام وتبرير الذات أمام الله. كما ورد في مثل الفريسي والعشار.

قال إيليا لله: “لم يبقى أحد من عبادك غيري”. فكان جوب الله سبحانه وتعالى: “لقد أبقيت لي سبعة آلاف ركبة لم تنحني لبعل”. إذاً غيرته في المرحلة الثانية كانت شخصيّة، وبقراءة ذاتية، وليس بحسب رضى الله ومسرّته فصار إيليا خائفاً.

نحن نتمتع بما أعطانا الله، وسلطنا عليه في عالمه. “من هو الإنسان حتى تذكره، أو إبن الإنسان حتى تفتقده، أنقصته قليلاً عن الملائكة، بالمجد والكرامة كللته، أخضعت كل شيء تحت قدميه الغنم والبقر وحيوان البر، وطيور السماء، وأسماك البحر السالكة سبل البحار”، ويستدرك الرسول بولص بأن نعمل هذا، ونستخدمه مباركاً بالرب يسوع المسيح، وليس فقط لأننا نحب ذلك أو ينفعنا، أو هذه قناعتنا.

وإذ نعمل ذلك بحسب ذهننا المُشَكَّل بحسب العالم نصبح خائفين، هاربين من وجه الزمن والمكان في أي ضيقة أو صعوبة تعترضنا.

الغيرة المقدَّسة تواجه الباطل وتسحقه وترهبه. كما في حياة القديس يوحنا المعمدان، أثناسيوس الكبير، امبروسيوس أسقف ميلان، باسيليوس الكبير.

الغيرة المقدَّسة والتي لله، وبحسب أقواله وكتبه تعلم الإنسان كيف يكون جريئاً مع ذاته، يصلح نفسه، يقوم بمهامه بكل محبة وضمير. هذه كلها تقوده أن يقول كلمة الحق في وجه ظالم أو سلطان جائر، أو في وجه من حاد عن طريق الحق. ولكن بدون إدعاء أو تكبر، بل كلماته القاسية يفهمها الآخر، ويدرك كم فيها من المحبة. أما صاحب الغيرة الشخصية فكلامه قاسي لا تقبله الأنفس، ويؤدي الى عكس ما هو مراد منه.

آباؤنا القديسون برغم غيرتهم لله التي كانت أشد إشتعالاً من النار كانوا يعملون على تنميتها، ولكن عاملين بروح التواضع.

من يحمل هذه الغيرة يباركه الله، وينميه في كل إتجاهات حياته. وكلما زادت غيرة المجاهد حباً بالله كلما إزداد تواضعاً وإنسحاقاً.

هذه الغيرة لله، يجب أن تعم بيوتنا، وأن تسيطر على أفكارنا، وخاصة بعد أن فشلت كل الإيديولوجيات أمام فلسفتنا المسيحيّة الإجتماعيّة والتقديسيّة.

نعايد كل الذين يحملون شفاعة النبي إيليا، والذين يحملون إسمه، وأخص بالذكر صاحب السيادة متروبوليت بيروت الياس عودة الجزيل الإحترام، متروبوليت صيدا وصور الياس كفوري الجزيل الإحترام، والأسقف إيليا طعمة جناح النعمة والخدمة في وادي النصارى، وكل الآباء الحاملين شفاعته.

أسأل الله أن يجعل الغيرة المقدَّسة أتوناً يحرق أعشاب العالم، وينقي ذهب النعمة الوافر في نفوسنا جميعاً.

كل عام وأنتم بخير.

باسيليوس

                     مطران عكار وتوابعها