كلمة الراعي
الإخوة والأبناء الأحباء،
“ليكن لي بحسب قولك. ها أنذا أمة للرب”
كلمة للسيدة العذراء أجابت بها ملاك الرب ذهبت مثلاً وشعار إقتداء في جميع العصور. وخاصة لمن يريدون العيش في طاعة كاملة لله.
لم تتدخل العذراء بالموقف، لم تحاور، لم تعارض، ولها الحق في ذلك فما طلب منها كان ثمنه الموت رجماً بالحجارة عند اليهود، وغير اليهود.
كانت النتيجة خلاص البشريّة، وتحقيق دخولها الى الملكوت ثانية، إذ صارت السيدة العذراء معول عدم سياج العداوة المتوسط بيننا وبين خلاصنا إذ ارتضى الله الذي لم ير في ذاتها شيئاً إلا محبته، ولا تعلقاً إلا به أن يتخذها مستقراً لكلمته، ومن جسدها جسداً لهذه الكلمة. وبصبرها طيلة حياة الكلمة على الأرض صارت مثلاً لكلّ طالبٍ الحياة المقدَّسة وخاتمتها السعيدة. لم تخلط السيدة العذراء بين الطاعة لله، وما صار إليه مجتمعها من ضيق وتعصب وتزمت وعبودية للحرف. حسب قول داود النبي “صبراً صبرت للرب فأصغى إليّ، وسمع تضرُّعي”.
نعتبر في إيماننا أن السيدة العذراء هي أمنا الروحيّة، والمربيّة لنا جميعاً للصغار والكبار في الماديات والروحانيات. عازمين على ذلك حتى لا نتيه في حياتنا، ونخسر قضية صراعنا مع القوى التي في الجو (الشر).
أولاً السيدة العذراء كانت عابدة قانتة لا تتلهى إلا فيما يرضي الله. فأين نحن من كل هذا. نتساءل كم يحوذ الله من حياتنا في صباحنا في ظِهرنا، في عشيتنا، في لهونا أو جدِّيتنا. ما هي نسبة الزمن من حياتنا التي نقدمها لله. هناك من يعطي لله، وآخرون لا يهمهم ذلك،
وقد لا يفكرون به، وقد يقولون مع النبي “هوذا الصديق تعالوا نقتله فقد صار ظلُّه ثقيلاً علينا”.
نريد أن ننجح في حياتنا. أن نتقدَّم في وجودنا، ولكن على طريقة أهل العالم، ومستخدمين طرقهم “والعالم وأهله ليس عندهم خلاص” كما يقول النبي أيضاً “لا تتكلوا على الرؤساء، ولا على بني البشر الذين ليس عندهم خلاص تخرج روحه فيعود الى ترابه”.
إذاً عاشت العذراء مريم ما يرضي الله، وجعلت كلمته دستوراً لحياتها فصارت أسمى من الملائكة إذ استحقت أن تدعى أماً للكلمة الإلهية.
نحن حيارى في هذا الشرق، وبتنا نعيش من هروب الى هروب باحثين عن أبواب حياتية نجد فيها ما نصبوا إليه. وهذه لا تكون إلا باعتناق الكلمة الإلهيّة وتطبيقها في حياتنا. الله هو الصخرة التي لا تتزعزع، وحياتنا بدون طاعة، كالبيت المبني على الرمل أية ريح عاصفة تهدمه، وترميه أرضاً فيصير كومة من حجارة وتراب.
هل تريد النجاح في تأسيس عائلة عليك بكلمة الله، وستجد أن الله يسير أمامك كما سار في العهد القديم أمام الشعب في الصحراء في وسط الظلام يقودك ويرشدك ويسدد خطاك في تربية عائلتك على الأسس الصحيحة.
هل تريد الحياة السعيدة. هذه ليست في المقاهي، والمطاعم، والسهرات الصاخبة. ستجد الحياة السعيدة عندما تجتمع مع أبناء بلدتك، وتقدِّس حياتك بالإجتماع مع الله أولاً وتدعوه ليكون شريك أفراحك ثانياً.
هل تريد النجاح في عملك، ولا تريد في مالك حراماً. عليك بدستور الكلمة الإلهيّة التي تجعلك مستعداً في كل شيء فلا تتعربس، ولا تسقط، ولن يسيطر عليك التردد والشكوك، فمن يسلك في النور لا يسقط.
هل تريد أن تصبح قدوة لأولادك ويطيعونك في نواحي حياتهم لتطمئن عليهم، وتعيش من ناحيتهم بسلام. عليك بالعلاقة الطيبة مع الله، وصلِّ له دائماً “يارب علمني أن أعمل رضاك”.
أيها الإخوة الأحباء،
ما يصح هنا على كل شخص يصحُّ على المجتمع. وكلمة حق نقولها، ونصرُّ على الإيمان بها أن مجتماعتنا محبة لله. تكرِّم السيدة العذراء, تتشفع بالعديد من القديسين، ويلقبون أولادهم بأسماء القديسين تيمُّناً وتشفعاً، ويقيمون إحتفالاتهم في هذه الأعياد، كأعياد السيد، والسيدة، وما جرجس، ومار الياس إلخ.
الخوف أن روح العالم بدأت تتطغى. فصار الإحتفال بالعيد هو العيد. وصارت ثيابٌ تأتينا من هنا وهناك هي رموز العيد وأغلبها ما كان أهلنا يفكرون بلبسها في غرف نومهم.
إنني أخشى، ومعي كل محبي الله أننا قد أصبحنا كالشعب في العهد القديم عندما أراد العبادة قام من ساعته للرقص واللعب فكسر موسى لوحي الشريعة وأمر أوامر قاسية.
نحن في عيد السيدة العذراء لن نقول إلا ليبارك الله لكم في أعيادكم، وليملأها من روحه القدوس، وليشدد عزائمكم على طاعته لكي تكونوا سبب خلاص لنفوسكم، وسبب خلاص لعائلاتكم، وقادة نحو دروب الحق في مجتمعاتكم، لكي في النهاية يفرح العالم بنور أعمالكم فيمجدوا أباكم الذي في السماوات. وتفرح بكم السماوات لأنكم وجدتم طريق الحق الى مفاتيح مغاليقها فيعم العيد في كلِّ شيء.
أسأله تعالى أن يجعل حياتكم أفراحاً وأعياداً، وقداسة قبل كلِّ شيء.
وكل عام وأنتم بخير.
باسيليوس
مطران عكار وتوابعها